قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 18، 19].
سورة الحشر مدنيَّة، وآياتها أربع وعشرون، وكان ابن عباس يقول: سورة بني النضير،
روى البخاري عن سعيد بن جُبير قال: قلت لابن عباس: سورة الحشر؟ قال: سورة بني النضير.
عن جرير بن عبدالله قال: كنا عند رسول الله في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النِّمار - أو العباء - متقلدي السيوف، عامتهم من مضر - بل كلهم من مضر - فتغيَّر وجه رسول الله لما رأى بهم من الفاقة، قال: فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذَّن وأقام الصلاة فصلَّى، ثم خطب فقال: ((﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [النساء: 1] إلى آخر الآية، وقرأ الآية التي في سورة الحشر: ﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَد ﴾ [الحشر: 18]، تصدَّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّه، من صاع تمره - حتى قال -: ولو بشق تمرة))، قال: فجاء رجل من الأنصار بصُرَّة كادت كفُّه تَعجِز عنها، بل عجزت عنها، ثم تتابَعَ الناس حتى رأيت كَوْمين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله يتهلَّلُ فرحًا كأنه مُذْهَبَة، فقال رسول الله: ((مَن سنَّ في الإسلام سنةً حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومَن سنَّ في الإسلام سنةً سيئةً، كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء))[1].
فقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أمر بتقواه، وهو يشمل فعلَ ما أمرَ به، وترك ما زجر عنه، وقوله: ﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَد ﴾؛ أي: حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وانظروا ما ادَّخرْتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم، ﴿ واتَّقُوا اللهَ ﴾ تأكيدٌ ثانٍ، ﴿ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾؛ أي: اعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم، لا تخفى عليكم منه خافية، ولا يغيب من أموركم جليل ولا حقير، وقوله: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ﴾ [الحشر: 19]؛ أي: لا تنسوا ذكرَ الله فينسيكم العمل لمصالح أنفسكم؛ فإن الجزاء من جنس العمل؛ ولهذا قال: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 19]؛ أي: الخارجون عن طاعة الله، الهالكون يوم القيامة، الخاسرون يوم معادهم كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9].