[يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم].
الظن هو اعتقاد ضعيف غير جازم, بل هو احتمال نسبته تصل إلى حوالى سبعين بالمئة، ليس فيه يقين, ولا يستند إلى دليل قاطع وجازم.
والأغلب في الظن انه يخالف الواقع والحقيقة ولا يطابقها، فيكون غالباً مخطئاً وسراباً ووهماً.
والظن على نوعين: ظن السوء, وظن الخير,لأنه عندما يصدر من شخص قول أو فعل معين يحتمل وجهين, وجه سيء ووجه حسن, ونحمله على الوجه السيء أو نفسره بالتفسير السيء, فذلك هو سوء الظن او ظن السوء, بينما لو حملنا ذلك القول او الفعل على المحمل الحسن وفسرناه بالتفسير الحسن والخيّر, فهذا من حسن الظن أوالظن الحسن.
والآية تأمر بالاجتناب والابتعاد عن ظن السوء، لأن ظن الخير والظن الحسن أمر راجح ومطلوب، فمن أحسن الظن بأخيه المؤمن فلا بأس عليه وإن أخطأ في ظنه.
ولذلك*يقول أمير المؤمنين (ع): ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً.
والمقصود بالاجتناب عن ظن السوء, يعني الاجتناب عن ترتيب الأثر عليه, كأن يظن المؤمن بأخيه سوءاً فيرميه به ثم يذكره لغيره ويشيعه بين الناس ويرتب عليه بقية نتائجه وآثاره كأن يقاطعه ولا يتعامل معه وهكذا..
هذا هو المنهي عنه والمحرم, لا أصل ظن السوء، لأن ظن السوء قد يكون في كثير من الأحيان خارج اختيار الإنسان، حيث لا حرية للإنسان في ظنونه وتصوراته وتخيلاته، فالظن بما هو نوع من الإدراك النفساني هو أمر يفاجئ النفس الانسانية ولا يكون باختيارها.. فلا يمكن أن يكون حراماً بحد ذاته، بل الحرام هو ترتيب الأثر عليه كما قلنا.
فلا ينبغي للإنسان عندما يسيء الظن بأخيه المؤمن أن يرتب أثراً على ذلك, فيذيع عنه السوء والعيب الذي ظنه, ويقاطعه لمجرد ذلك ولا يتعامل معه، بل عليه أن لا يعتني بظنه , وهذا هو معنى عدم ترتيب الأثر عليه، أي أن لا يعتني به عملياً، ولا يغير أسلوبه وتعامله وعلاقته مع أخيه المؤمن، بل تبقى علاقته به طبيعية ولا يعتني بسوء ظنه به.
والمقصود من [كثيراً من الظن] في الآية، الظنون السيئة التي تغلب على الظنون الحسنة بين الناس, فان الظنون التي تصدر من الناس غالباً هي ظنون سيئة لا حسنة.
والمقصود بكلمة [إن بعض الظن إثم] هي الظنون السيئة الخاطئة وغير المطابقة للواقع* فهي إثم وحرام, وهذا يعني أن على الانسان أن يجتنب كل الظنون السيئة سواء ما كان صحيحاً منها أو خاطئاً حتى لا يقع في الحرام والأثم.
والله سبحانه وتعالى من خلال تحريم سوء الظن بالآخرين, أرادنا أن نتوجه إلى حسن الظن بهم, بأن ننظر إلى الجانب الإيجابي والحسن بدل الجانب السلبي والسيء, فقد يبدو للإنسان شيء فيحمله على وجه سيء، ويكون الحق في الوجه الآخر، وهذا ينطبق على الأقوال والأفعال والمواقف والعلاقات وغير ذلك.