النَّارُ دَارُ الفُجِّارِ
روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( الصِّيَامُ جُنَّةٌ ، وَحِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ النَّارِ)) (1) ، وعن عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيَّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ((الصِّيَامُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ ، كَجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْقِتَالِ )) (2) ، وعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ : الصِّيَامُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنَ النَّارِ ، وَهُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ )) (3) ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ بَاعَدَهُ اللَّهُ مِنْ جَهَنَّمَ مَسِيرَةَ سَبْعِينَ خَرِيفًا)) (4) والأحاديث في هذا الباب عديدة ، وقد مرّ معنا أن أبواب النار في شهر رمضان تغلق .
والنار – أجارنا الله منها - هي دار الذل والهوان والعذاب والخذلان ، صوتها الشهيق والزفير ، وصوت أهلها الصراخ والعويل ، أنينهم وعبراتهم لا تنقطع ، هم في بؤسٍ دائم وشقاء مستمر وندامة وبكاء ، الأغلال والسلاسل تجمَع بين أيديهم وأعناقهم ، يُسحبون على وجوههم في الحميم ثم في النار يسجرون ، لها ظلل من النار تضطرم من تحتهم ومن فوقهم ، هواها السموم ، وشراب أهلها الحميم { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} [الحج:20] ، وطعامهم الزقوم {كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ [45] كَغَلْيِ الْحَمِيمِ } [الدخان:45-46] ، يدعون فيها بالموت فلا يُجابون ، ويسألون الله أن يخرجهم منها ويَعِدُون بعدم العود إلى ما كانوا فيه من غي وضلال فيقول لهم: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] ، ويطلبون من الملائكة الشفاعة أن يخفف الله عنهم العذاب ولو يوماً منه فيقولون لهم: { فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ } [غافر:50] ، أخف أهلها عذاباً رجل توضع جمرتان في أخمص قدميه يغلي منهما دماغه ، أهلها في دركات نازلة بحسب قبح أعمالهم ؛ ففيها الكفار والمشركون والمنافقون وفيها العصاة والزناة والفاسقون ، ليس بين أهلها إلا اللوم والعتاب واللعن { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف:38] ، لا نجاة للأتباع ولا للمتبوعين ، لا يستطيعون إنقاذ أنفسهم من العذاب ولا إنقاذ أتباعهم ، إمامهم فيها إبليس يخطبهم ويتبرأ منهم ما لهم فيها من شافعين ولا صديق حميم ، فيا ندامة من كان من أهلها ويا خسارة من دخلها ، يساق أهلها إليها سوقاً عنيفاً بإذلالٍ وتحقير ، ويرِدونها عطاشاً ، ويحشرون فيها صماً وبكماً وعمياً ، لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم من أهل النار يدخلون منه ، وهذه الأبواب تغلق على أصحابها فلا يستطيعون الخروج منها { عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ} [البلد:20] ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : "مغلقة الأبواب ".